الخميس 29 سبتمبر 2022

جلسة الانتخاب الرئاسية في لبنان اليوم... «تصفية أولى»

جلسة الانتخاب الرئاسية في لبنان اليوم... «تصفية أولى»

جلسة الانتخاب الرئاسية في لبنان اليوم... «تصفية أولى»

قَرَع رئيس البرلمان نبيه بري «الجرسَ» الرئاسي بـ «ضربة معلّم» فألزم الجميعَ بـ «وعدِ حضورٍ» لأولى جلسات انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجمهورية من دون أن يكون «الاسم الموعود» حاضراً لا في «الجيْب» ولا في أيٍّ من قبعات «سَحَرة» اللعبة النيابية – السياسية، لتنفتح سيناريوات «الخميس الرئاسي» على احتمالات عدة ليس بينها بالتأكيد انتخاب الرئيس رقم 14 للبنان الذي سيبقى في «عالم الغيْب» حتى ما بعد مغيب عهد الجنرال ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل.

فمنذ أن حدّد بري اليوم موعداً لافتتاحِ جلسات الانتخاب الرئاسية على حافة مهلة الشهر على الأقلّ المنصوص عنها في الدستور (قبل انتهاء الولاية) لتوجيه الدعوة من رئيس البرلمان تفادياً لبلوغ «الانعقاد الحُكْمي» لمجلس النواب في الأيام العشرة الأخيرة ومتمماته، وفي موازاة «انهمار» التحليلات حول «سرّ» مَنْح «الأستاذ الماهر» أقلّ من 48 ساعة للنواب لـ «التقاط أنفاسهم» وتجميع قواهم كل منهم خلف مرشّح، بدت الكتلُ في ما يشبه «حال استنفار» بملاقاة هذا الاستحقاق وكيفية التعاطي معه بعدما وَضَعَ بري وبتوقيته «رئاسية 2022» على سكة الانطلاق الرسمي فيما كانت غالبية الأطراف ما زالت في مرحلة «البحث عن مرشح» تخوض به «مكاسَرةً» يرصدها الخارج قبل الداخل.

 

ورغم إجماع الكتل النيابية على ضفتيْ ائتلافيْ «حزب الله» وحلفاؤه ومعارِضوه من قوى سيادية وتغييرية ومستقلين على تلبية الدعوة إلى جلسة الانتخاب الرئاسية اليوم، فإن أكثر من سيناريو بقي مطروحاً حيال مآلها كما مسارها المحتمل، وأبرزها:

- ألا يتوافر نصاب الثلثين الشَرْطي لافتتاحها أي 86 نائباً (من 128 يتألف منهم البرلمان)، وسط تسريباتٍ عن احتمال أن تقوم الكتل النيابية الرئيسية، أو قسم منها، بإرسال «ممثلّين» لها، على طريقة نصف مقاطعة بسبب عدم حسْمها لخياراتها الرئاسية.

- أن يتأمّن نصاب الثلثين وتُفتتح الجلسة ولكن قبل أن يبدأ الاقتراع السري في الصندوق الزجاجي يتم تطييره.

- أن تقلع الجلسة الانتخابية بعد توافر نصاب الانعقاد في دورتها الأولى (يحتاج الفوز فيها إلى غالبية الثلثين نفسها) فيحصل الاقتراع ولا ينال أي اسم 86 صوتاً، فيُصار وقبل الانتقال الى الدورة الثانية (يتطلب الفوز فيها أكثرية 65 صوتاً) إلى الإطاحة بالنصاب، لتنطلق سبحةُ الدعوةِ إلى عشراتِ جلسات الـ «لا انتخاب» بانتظار تفاهماتٍ تحصل على البارد أو على بعض من «نارٍ» قد تدبّ في مرحلة الفراغ.

وما يَجْمع بين هذه الاحتمالات أن أياً منها لا ينطوي على أي توقُّع بانتخاب «مستحيلٍ» لرئيس الجمهورية في هذه المرحلة، وأن كلاً منها يُخْفي بين سطوره حسابات الأطراف الوازنين في مقاربتهم لهذا الاستحقاق الذي يترافق إعطاء «رصاصة انطلاقه» مع ابتعاد حظوظ تأليف الحكومة الجديدة في الأيام القليلة المقبلة وفق ما تم تسريبه سابقاً وذلك كي تشكّل الحدّ الأدنى من «بوليصة تأمين» لشغور رئاسي... آمِن.

وفي رأي دوائر متابعة أن عدم توفير نصاب الجلسة من أساسها قد يمنح لاعبين رئيسيين في المعسكريْن المتقابليْن مزيداً من الوقت لإدارة الانتخابات الرئاسية من الجلسة الأولى بما لا يؤثّر على مجمل «وزْنهم» في الاستحقاق برمّته ولا يمنح الخصم أفضلياتٍ تحت سقف التوازن السلبي الذي يحكم مجلس النواب.

وترى الدوائر أن «حزب الله» وحلفاءه سيكونون في جلسة الانتخاب بحال إقلاعها في وضعية دفاعٍ، بوجه المعارضة التي كانت المؤشرات الأولية أمس تشير إلى أنها ستدخل الجلسة وقسم منها على الأقل سيصوّت للنائب ميشال معوّض (مثل القوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة معوّض) فيما كان نواب التغيير

الـ 13 يتجّهون للاقتراع للنائب السابق صلاح حنين، وسط اتصالات ماراتونية ليلاً في محاولةٍ لتوحيد الأصوات بين هؤلاء وآخرين من المعارضة على اسم واحد بحيث ينال ما لا يقلّ عن 50 صوتاً.

وعلمت «الراي» أن منطقاً ساد بين المعارضة يقوم على أن «النزول» إلى المعركة الرئاسية بالسلاح «الثقيل» أي معوّض، الذي يكتسب ترشيحه رمزية ترتبط بأنه ينافس المرشح المطروح في فريق «حزب الله» سليمان فرنجية في عقر داره (زغرت – الشمال)، يمنح هذه القوى قدرة أكبر على المناورة لاحقاً بحال اقتضت ظروفُ المنازلة ذلك عبر التراجع إلى مرشح بـ «بروفايل» التسوية الممكنة فيكون حنين في هذه الحال الذي يحافظ على معيار السيادي والإصلاحي.

ووفق هذا المنطق، رأت الدوائر نفسها أن أي نجاح لكتل المعارضة ونوابها في توفير «بلوك وازن» حول اسم معيّن ولو ليس بأصوات الـ 67 نائباً الذين يشكلون «نظرياً» هذه المعارضة المشتَّتة والذين قد يقترع بعضهم لأسماء أخرى أو «بالأبيض ما لم يكن هناك مرشح جدي» (كما قال 9 نواب بينهم 8 سنّة)، من شأنه أن يمنح هذه القوى «أفضلية» في جلسة «جس النبض» الرئاسية تجعلها تنطلق في ما يمكن وصْفه بمرحلة «التصفية» الأولى:

إما نحو محاولة استجلاب الأصوات الناقصة لمرشّحها بالاتصالات السياسية ليصبح «رئيساً مع وقف التنفيذ» بأكثرية النصف زائد واحد وتالياً حشْر «حزب الله» وحلفائه بأنهم يعطّلون النصاب في الجلسات اللاحقة لمنع وصوله.

وإما نحو «مفاصَلة» على رئيس تسوية بشروطٍ أفضل لهذا الفريق فيصبح أقله هو مَن يطرح الأسماء و«حزب الله وحلفاؤه يرفضون أو يوافقون وليس العكس.

وإذ ترى الدوائر أن طرح اسم حنين، الخبير الدستوري والنائب السابق، يحول دون افتراق كتلة «اللقاء الديموقراطي» (تيمور وليد جنبلاط المؤلّفة من 8 نواب) عن المعارضة في خيارها الرئاسي باعتبار أن حنين من «قدامى التكتل» وتالياً إبقاء زمام المبادرة في الاستحقاق الرئاسي في يد الغالبية المعلَّقة، فهي تعتبر أن حزب الله وحلفاءه بدوا عشية الجلسة في ما يشبه حال الضياع، مربكين بمرشحّيْن (سليمان فرنجية وجبران باسيل) يضع كل منهما «فيتو» على الآخر، وكأن ترشيح الأوّل «يُلْغي» حظوظ الثاني والعكس صحيح، وهو ما يُرجّح معه بحال ارتؤي تأمين نصاب الجلسة التصويت بورقة بيضاء من مختلف كتل هذا الائتلاف حرصاً على عدم كشف الأحجام من أول جلسة وحرْق أي اسم باكراً ولو فرضت الظروف لاحقاً أو «الأوراق المستورة» المقايضة عليه في لحظة التسوية.

ولم يكن عابراً عشية تدشين جلسات الانتخاب الرئاسية أن يكون الملف الحكومي، الذي بات يشكّل «حديقة خلفية» لهذا الاستحقاق وساحة لتعزيز «الاستحكامات» السياسية بخلفياتٍ رئاسية ولا سيما من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، استعاد مناخاته السلبية وسط معلوماتٍ عن شروط جديدة طرحها فريق الرئيس عون على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وبينها إدخال وزراء «بدسم كامل سياسي» ومن «الصقور» إلى الحكومة عن طريق «الاستبدال» ضمن صيغة الـ 24 أو العودة إلى توسيع الحكومة إلى 30 بإضافة 6 وزراء سياسيين إليها، ناهيك عن طرْح ملف عشرات التعيينات مجدداً والسعي للحصول على ضمانات ببتّها (المسيحية منها) بحيث يكون لباسيل «حصة الأسد» فيها.

في موازاة ذلك، كان بارزاً ما كُشف عن أن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية أعدّ دراسة دستورية خلصت إلى أحقية حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة ميقاتي بتولي مهمات رئيس الجمهورية، في حال لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب خلف لعون بحلول 31 أكتوبر، معتبراً في ردّ على التلويح بإصدار عون مرسوم قبول استقالة الحكومة بما يمنعها حتى من تصريف الأعمال فتصبح كأنها«غير قائمة»، أن مثل هذا الإجراء «يؤشر لوجود نية تخريبية، ويجافي قواعد المنطق الدستوري السليم».

جميع الحقوق محفوظة