الخميس 05 يناير 2023

لبنان أمام امتحان «القوة القضائية متعددة الجنسية»

لبنان أمام امتحان «القوة القضائية متعددة الجنسية»

لبنان أمام امتحان «القوة القضائية متعددة الجنسية»

لن يسعف المسؤولين اللبنانيين، وهم يرفعون أمام الوفود القضائية الأوروبية التي سـ «تهبط» على بيروت بين 9 و20 يناير الجاري، شعار «رفْض استباحة السيادة القضائية اللبنانية»، أنهم يمعنون في استباحة شعب بكامله ولم يتركوا «ستراً مغطّى» في ارتكاباتٍ متسلسلة حوّلت أبناء «بلاد الأرز» فريسةَ واحدة من أعتى الأزمات المالية العالم منذ 1850، ينهش غالبيتهم الساحقة إما الجوع وإما الوجع، يفتك بهم المرض وهم بلا دواء وإما اليأس وهم بلا أمل، في ما يشبه جريمة «إبادة جماعية» يُراد أن تُقيد... ضد مجهول.

فعلى وقع الاستعصاء المتمادي في إنجاز انتخاباتٍ رئاسيةٍ تُعتبر الرافعة الرئيسية لأي مسار إنقاذٍ بـ «أجنحة» خارجية وسط استمرار الأطراف الوازنين باسترهان هذا الاستحقاق لحساباتٍ سلطوية ضيّقة أو استراتيجية كبرى تتصل بكشْف لبنان على صراع المَحاور، جاء الفصل الأخير من حكاية «إبريق زيت» الكهرباء وفضائحها التي تجرجر منذ أعوام ليضيف مسماراً جديداً إلى «نعش» ما بات «دولة فاشلة» مع وقف الإعلان، تخدّر شعبها بإجراءاتٍ نقدية يهندسها المصرف المركزي وتعاود تحسين قيمة الليرة اصطناعياً أمام دولار «يهادن» بين فترة وأخرى قبل «انقضاضٍ» أشرس، وسط تلكؤ فاضح عن إنجاز أرضية النهوض وتشريعاته ومعالجة الفجوة المالية (بأكثر من 70 مليار دولار) وتوزيع خسائرها وإعادة هيكلة القطاع المصرفي رغم مرور 3 أعوام على بدء رحلة «السقوط الحر».

 

ولن تجد السلطاتُ اللبنانية مَن يصفّق لـ «استفاقتها الموْضعية» على السيادة القضائية بوجه قضاة أوروبيين من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ (وربما بريطانيا) سيُفتح مع وصولهم الى بيروت باب «تدويل» التحقيق في قضايا مالية وشبهات تبييض أموال مرتبطة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولين في «المركزي» ومصارف محلية، فيما القضاء معطَّل وأسير «انغماسٍ» سياسي فاقع يحول دون قيامه بأي أدوار في قضايا الفساد المالي برؤوسها الكبيرة المتعددة، وصولاً إلى «أم القضايا» المتعلقة بالانفجار الهيروشيمي الذي ضرب مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 وكاد أن «يقطع رأس» العاصمة والذي لم يجف دمه بعد بانتظار حقيقةٍ ممنوعة من الظهور وعدالة قد لا تتحقّق أبداً.

وفي موازاة هذا البُعد من مهمة ما يشبه «القوة القضائية متعددة الجنسية» التي تزور لبنان ابتداء من 9 الجاري والتي تردّد أن في عدادها قاضيا مكلفا بالاطلاع على تحقيق تفجير مرفأ بيروت (رُجح أنه سيركّز على ملف الموقوفين فيه منذ أكثر من عامين دون محاكمة)، فإنّ أسئلة كبرى لم تهدأ حول خفايا هذه الاندفاعة التي ترتكز على ملفات قضائية مفتوحة لدى الدول التي تتألف منها الوفود وبينها التحويلات المالية التي حصلت من لبنان إلى مصارف في هذه البلدان وتَقَصّي مصادر هذه الأموال وإذا كانت تنطوي على عمليات فساد وغسل أموال.

وفي تحديد هذه الخفايا يكمن «سرّ» الارتدادات التي قد تترتّب على رفض لبنان التعاون مع الوفود التي تضم مدعين عامين وقضاة ومحققين وضباطاً من الشرطة (والبعض ذكر رؤساء محاكم) يعتزمون التحقيق مع نحو 25 شخصية بينها سلامة وكبار المسؤولين في «المركزي» وأصحاب ومديري عدد من المصارف اللبنانية، وذلك انطلاقاً من أن السلطات المعنية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ اكتفت بإبلاغ النائب العام التمييزي في لبنان غسان عويدات على طريقة «أخذ العِلم» وليس الاستئذان بأنها تنوي التحقيق مع هؤلاء من دون أي مراعاة للقضاء اللبناني أو طلب مساعدته، في حين أن اتفاقية مكافحة الفساد التي وقّعها لبنان تُلزمه تلبية مطالب السلطات القضائية الأجنبية بشرط أن يتوافق ذلك مع القوانين اللبنانية.

وبعدما برزت في الأيام الماضية نقزة كبيرة من مهمة الوفد قوبلت بسرْد «حيثياتِ» كونها تتجاوز السيادة القضائية المطلقة للمحاكم اللبنانية وأنه في حال رغبت دولة أجنبية بإجراء تحقيقات ضمن هذه السيادة يتوجب عليها طلب ذلك بموجب استنابة تُوجّه إلى القضاء اللبناني المختص الذي يعود له حصراً حق تنفيذها والاستجواب فيها بحضور قضاة من الدولة صاحبة الاستنابة، وليس انتهاء بأسئلةٍ حول حدود هذه المهمة وتداعيات اشتمالها مثلاً على إصدار مذكرات توقيف وما شابه، جاء بارزاً ما نُقل أمس عن مصادر قضائية لبنانية رفيعة من أن النيابة العامة التمييزية ردت فوراً على الرسائل الأوروبية «الغريبة» بإبلاغ السلطات القضائية المعنية في هذه الدول بالرفض التام لأي تعاون للبنان معها، بما يعني رفض القيام بأي عملية تبليغ أو استدعاء أو تحقيق لأي من الأسماء التي ترغب الوفود بالاستماع إليها، وبالتالي فلن يكون بمقدور هذه الوفود الاستماع لأي شخصية لبنانية.

وبحسب موقع MTV فإن الجواب اللبناني كان جازماً بأن هذه الوفود لن تلقى أي استقبال في مطار بيروت ولا في قصر العدل، ما يحتّم عليها في هذه الحال أن تمكث في إحدى سفاراتها في بيروت، وأن الاتفاقيات القضائية التي تربط لبنان بالدول الأوروبية واضحة وصريحة وهذه الوفود تسعى الى انتهاكها «إذ أن الاتفاقات المشار إليها تنص على التعاون القضائي وفق ما تقتضيه مصلحة كل دولة، ويحق لأي قضاء أن يقبل بما يشاء وأن يرفض ما يشاء».

وإذ أكدت المصادر القضائية رفيعة المستوى، «أن الطريق مسدود أمام محاولة الوفود القضائية الأوروبية استباحة السيادة القضائية اللبنانية لأهداف بات يدركها القضاء اللبناني»، فإن علامات استفهام بدأت ترتسم حول ما بعد عدم التعاون، بحال أصرّت الوفود على مهمتها وتَمَسَّكَ لبنان بموقفه هو الذي سيجد نفسه بين فكي كماشة التنازل عن سيادته القضائية أو إمكان استدراج إجراءات زاجرة بحق لبنان والتعاطي مع مَن لا يَمْثلون أمام الوفود بوصفهم فارين من العدالة، ولا سيما أن ثمة مناخات لا تفصل المهمة الأوروبية عن مقاربة سياسية للدول الثلاث للواقع في لبنان «الميؤوس» من طبقته السياسية.

في موازاة ذلك، لم يحمل المشهد السياسي الداخلي أي تطوراتٍ بارزة وبقي مأخوذاً بشدّ الحبال القاسي بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفريق الرئيس السابق ميشال عون حول تمويل خطة الطوارىء للكهرباء (لتأمين نحو 5 ساعات يومياً) وهي القضية التي باتت «ملعباً خلفياً» للصراع المستعر حول عمل الحكومة في ظل الشغور الرئاسي والموصول بدوره بـ «صواعق» المأزق الرئاسي.

وحدها إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (مساء الثلاثاء) حملت ما يشي بأن يكون خطوطاً عريضة ستحكم الاستحقاقَ الرئاسي حتى إنجازه والعلاقةَ «المهتزّة» مع «التيار الوطني الحر».

ولم تحتمل مواقف نصرالله من الاستحقاق الرئاسي، الذي يدعم فيه من دون إعلانٍ رسمي سليمان فرنجية، أي تأويل ليس فقط لجهة تجديد المطالبة «برئيس لا يطعن بالمقاومة» راسماً معادلة «طعن المقاومة يساوي حرباً أهلية»، بل الأهمّ لناحية قطع الطريق على أي رهانات على تفاهمات خارجية بما عَكَسَ، وفق خصوم حزب الله، عدم استعداد طهران لوضع الملف اللبناني الذي بات بالكامل في «جيْب» الحزب على طاولة أي أخذ وردّ إقليمي انطلاقاً من العنوان الرئاسي أو بالحد الأدنى إطلاق «استدراج عروض» جديد حيال أي تراجُع ذات صلة بهذا الملف ولن يكون أكثر من خطوةٍ تكتية إلى الوراء.

فنصرالله أعلن أن «ايران لا تناقش الانتخابات الرئاسية ولا تتدخّل في الشأن الداخلي اللبناني، والجمهورية الإسلامية لا تفاوض إلا على الملف النووي، وقد ثبت ذلك خلال الأعوام الماضية.

ومن ينتظر المفاوضات النووية قد ينتظر عشرات السنين فهل نبقى عندها من دون رئيس للجمهورية»؟

وقال: «يجب أن نعود الى بعضنا البعض، فالحوار الداخلي هو الأصل وكلنا يجب ان نتفق ان الوقت ضاغط على الجميع».

وعن خلاف الحزب مع «التيار الوطني الحر» على خلفية تغطية الأول جلسةً لحكومة تصريف الأعمال قاطعها وزراء التيار ورفْض رئيسه جبران باسيل السير بفرنجية أو حشْره بين الأخير وقائد الجيش العماد جوزف عون وصولاً لكشْفه مداولاتٍ كانت له مع نصر الله شخصياً و«تشكيكه» بصدقية الأخير وإعلانه ان تفاهم مار مخايل بين الطرفين «يقف على قدم ونصف»، قال الأمين العام «الاشكال أو الخلاف الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر حريصون على معالجته بالتواصل وستكون هناك لقاءات قريبة، ونحن حريصون على العلاقة. بالسياسة اذا وضعنا يدنا بيد أحد لا نبادر الى نزع يدنا، واذا نزع الطرف الثاني يده فنحن لا نلزم أو نجبر أحدا».

وتابع «كنت أقول دائماً للوزير الصديق جبران باسيل إنه إذا كنتم تشعرون بالحرج من التحالف معنا فأنتم غير ملزمين به ولن نكون مُنزعجين أبداً».

واعتُبر موقف نصرالله من العلاقة مع التيار على طريقة «كسرها وجبرها»، أي أنه أكد الحرص على تنقية العلاقة، لكنه أعطى إشارات إلى أنه لن يسلّم بما يُعتبر «ابتزازاً» له.

جميع الحقوق محفوظة