الثلاثاء 24 مايو 2022

«حرب أوكرانيا»... 4 أشهر و4 سيناريوهات

«حرب أوكرانيا»... 4 أشهر و4 سيناريوهات

«حرب أوكرانيا»... 4 أشهر و4 سيناريوهات

عندما اجتازت الجحافل الروسية الحدود باتجاه الأراضي الأوكرانية وبدأت الطائرات والبوارج بقصف مواقع في كييف وغيرها، يوم 24 فبراير الماضي، لم يكن «سيد الكرملين» قد وضع ضمن الخيارات المحتملة في حساباته أن تتلقى أوكرانيا هذا الحجم من الدعم الغربي، عسكرياً واقتصادياً، وبهذه السرعة، أو أن يتحد حلف شمال الأطلسي بهذا الشكل غير المسبوق منذ عقود، أو أن ينجح الأوكرانيون في الصمود والمقاومة وتكبيد القوات المهاجمة خسائر ضخمة.

لم تكن هذه المفاجآت الثلاث هي الوحيدة التي قضّت مضجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجنرالاته، إذ يُضاف إليها أيضاً التحول الدراماتيكي في السياسة العسكرية لألمانيا، وخلع دول محاذية، مثل السويد وفنلندا، رداء الحياد لصالح عباءة «الأطلسي».

 

لكن كل ذلك لا يُغيّر في الواقع شيئاً بالنسبة لـ«القيصر»، فهو يعتبر اجتياحه لأوكرانيا، الذي يُطلق عليه اسم «العملية العسكرية الخاصة»، ضرورة لا خياراً، وأمراً حتمياً لا ترفاً، على اعتبار أن المنطقة العازلة التي تفصل روسيا عن «الأطلسي» (تضم أوكرانيا وبيلاروسيا بشكل أساسي ودول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا شمالاً) آخذة بالتقلص، وأن انضمام أوكرانيا إلى الحلف يعني وصول صواريخه عبر أراضيها إلى موسكو خلال 7 إلى 10 دقائق.

وإذا كان الجيش الروسي قد تكبّد خسائر ضخمة في الأسابيع الأولى للحرب (اعترف رسمياً بمقتل 1351 جندياً في الشهر الأول ولم يعلن أي إحصائية أخرى منذ ذلك الوقت)، فإنه نجح في الأسابيع التالية في «التكيّف» مع الواقع، من خلال الانسحاب من كييف والابتعاد عن مناطق الوسط، والتركيز على مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، تطبيقاً لمشروع «نوفوروسيا»، الذي يتضمن ربط الأراضي الجنوبية الممتدة من حوض الدونباس شرقاً إلى أوديسا غرباً، مع ما يعني ذلك من عزل لأوكرانيا عن البحرين اللذين تطل عليهما، الأسود وآزوف.

ونتيجة لهذا التبدل، حققت روسيا تقدماً بسيطرتها على مدينة ماريوبول الاستراتيجية، فعزلت أوكرانيا عن البحر الأول (آزوف)، على أن خطتها تقضي بالتوجه شرقاً الآن لاستكمال السيطرة على الدونباس (كامل أراضي دونيتسك ولوغانسك)، ومن ثم الزحف غرباً نحو أوديسا.

في المقابل، باتت روسيا في عُزلة كبرى على المستوى الدولي، فيما يئن اقتصادها تحت وطأة العقوبات الغربية، ودخل الغذاء والطاقة والتوريد وغيرها من الأسلحة الفتاكة (نظراً لانعكاساتها على العالم)، ساحة المعركة التي تبدو مفتوحة حتى الآن.

وفي قراءة واقعية لمجريات الأشهر الثلاثة الماضية، ومسار المعارك العسكرية والاقتصادية والسياسية، فإن العالم يبدو أمام 4 خيارات، مع دخول الحرب شهرها الرابع:

1 - حرب استنزاف طويلة الأمد قد تمتد للعام المقبل أو حتى لأعوام مقبلة، ترى فيها موسكو فرصة جيدة لتفكيك أوكرانيا وخلق جمهوريات مستقلة (5 أو 6) تتبع السيناريو المعروف: استقلال ثم استفتاء ثم انضمام إلى روسيا، وبذلك تُنشأ منطقة عازلة بين الأراضي الروسية والأوكرانية.

وكذلك ترى واشنطن وبعض حلفائها الأوروبيين (خصوصاً بريطانيا) في هذا السيناريو، فرصة لـ«إغراق» الدب الروسي أكثر في المستنقع الأوكراني وتكبيده خسائر كبرى وإجباره على دفع أثمان باهظة راهناً ولاحقاً.

وهذا السيناريو يبدو الأكثر احتمالاً.

2 - التوصل إلى حلول وسط من خلال الديبلوماسية، وهذا الاحتمال رهن تطور أساسي يتمثل بمبادرة فرنسية أو ألمانية أو مشتركة بينهما (لأن باريس وبرلين لا تؤيدان الحرب المباشرة أو الضغوط إلى الحد الأقصى)، لرعاية محادثات بين روسيا وأوكرانيا من خلال إحياء «مسار مينسك» أو خلق شبيه له، بحيث يتم إبرام صفقة تراعي مخاوف روسيا الأمنية وتحافظ على الحد الأدنى من سيادة أوكرانيا، مع تجميد الملفات الخلافية مثل مصير شبه جزيرة القرم والمناطق التي سيطرت عليها روسيا، سواء في الأشهر الماضية، أو منذ 2014. وهذا السيناريو وارد لكنه ضعيف ويحتاج موافقة أميركية بشكل أساسي.

3 - حدوث مفاجأة أو احتكاك غير محسوب بين القوات الروسية والقوات الحليفة لأوكرانيا، وهو ما قد يجر الجميع إلى حرب مفتوحة ربما تتحول إلى حرب عالمية. لكن هذا السيناريو ضعيف أيضاً، لأن جميع الدول تُحاذر الانزلاق نحوه، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومن ضمنها روسيا التي أعلنت مراراً أن شحنات الأسلحة الغربية لأوكرانيا «أهداف مشروعة»، بيد أنها عملياً امتنعت عن قصفها في مناطق حدودية أو خارج الأراضي الأوكرانية، واكتفت باستهدافها داخل الأراضي الأوكرانية حصراً.

4 - هزيمة أحد المُعسكرَين، فإما أن تقبل أوكرانيا بشروط روسيا وإما أن ترضخ روسيا نتيجة الخسائر والتكاليف، فتتوقف الحرب، وهو أمر مستبعد.

جميع الحقوق محفوظة