الجمعة 10 يونيو 2022

التقشف يضرب «نظافة» الوزارات

التقشف يضرب «نظافة» الوزارات

التقشف يضرب «نظافة» الوزارات

تلقى مسؤول في بلدية الكويت اتصالاً من قيادي كبير في إحدى الوزارات يطلب منه دعماً عاجلاً بعمال نظافة للعمل بالوزارة.

ولأن نظافة مباني الوزارات ليست من اختصاص البلدية، اعتذر المسؤول للقيادي بلطف مطالباً إياه بمعالجة النقص بالوزارة وفق العقود والآليات المتبعة في الوزارات.

لم يكن اتصال «الاستغاثة» الذي تلقاه مسؤول البلدي هو الأول من نوعه، فهناك قياديون آخرون في وزارات عدة كرروا نفس الطلب، وتلقوا ذات الإجابة.

فما قصة عمال نظافة الوزارات؟

أول فصول القضية بدأ مع قرار مجلس الوزراء خفض ميزانيات الوزارات للسنة المالية 2020 / 2021 بحد أدنى %20.

فلجأت الجهات الحكومية في سبيل ترشيد الميزانية إلى تأجيل مشروعات ومناقصات وخفض مصروفات، وطال الترشيد خفض قيمة جميع عقود النظافة في بعض الوزارات.

الأمر ذاته تكرر في ميزانية السنة المالية 2021 / 2022، إذ وجهت وزارة المالية جهات الدولة إلى ضرورة تخفيض عقود الخدمات غير الأساسية التي تشمل عقود النظافة بنسبة %50 وذلك ضمن خطوات تقشفية لمواجهة عجز الموازنة.

بالطبع لم تظهر تأثيرات الإجراءات التقشفية في حينها، لكنها بدأت تتضح تدريجياً إلى أن توغلت تداعيات انتشار فيروس كورونا ودخلت بقوة على خط الأزمة.

فعظمت الجائحة من نقص عمال النظافة لا سيما مع القرار الذي صدر بوقف تأشيرات العمل، وعليه أرسلت بعض الشركات إلى الوزارات تطلب تخفيض عدد العمالة المتعاقد معها بشأنها وبررت طلبها بالأسباب التالية:

■ نقص شديد في عدد العمالة.

■ الظروف التي فرضتها جائحة كورونا.

■ مغادرة عمالة وعدم تمكنها من العودة للبلاد.

■ استقالات في صفوف العمالة بالشركات.

ورغم موضوعية مبررات الشركات – وفق كتاب رسمي أقر بذلك – إلا أن بعض الوزارات لم تتردد في توقيع الغرامات المنصوص عليها في العقود وفق النظم المعمول بها.

عودة الحياة.. تكشف المستور

وفي منتصف فبراير الماضي اصطدم واقع عقود النظافة المأزوم بقرار مجلس الوزراء بتخفيض قيود كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها والدوام الكامل، فانكشف ما كان مستوراً من تفاصيل القضية، وراحت كل وزارة تبحث عن الحلول.

وبدأت المراسلات الرسمية والتقارير تتوالى على طاولة المسؤولين، وحملت في طياتها مفاجآت غير سارة تمثلت في الآتي:

■ أغلب العقود مع شركات النظافة منتهية أو على مشارف الانتهاء.

■ لا توجيهات مسبقة بتجديد العقود ما أدى إلى تجميد الوضع.

■ خلل جسيم في تنفيذ العقود الحالية بسبب مخالفات الشركات وتداعيات كورونا.

■ نقص واضح في أعداد العمالة وإضرابات العمال تزيد العبء.

■ لكن ماذا عن المناقصات الجديدة المطروحة الخاصة بالنظافة؟

سؤال طُرح على طاولة المباحثات، فكانت الإجابة بأن هناك بطئا كبيراً في إجراءات طرحها، بلغ حد تعطيل ترسية مناقصة لمدة زادت على 5 سنوات ولم تتم ترسيتها حتى الآن.

تمديد العقود.. حل استثنائي

وتحركت بعض الجهات للتغلب على هذا الواقع، باللجوء للحل الاستثنائي المتمثل في طلب تمديد عقود النظافة القائمة بالفعل رغم تعثرها، إلى أن وصل تمديد بعض العقود إلى 13 تمديداً!

لكن خيار تمديد العقود لم يكن سهلاً، إذ تعذرت شركات بما وصفته إخلالاً من الوزارات المعنية بشروط التعاقد مؤكدة «انه لا شيء يلزمها بتجديد العقود من دون ضمانات تقدمها الجهة المعنية بصرف ما تراه مستحقات متأخرة لم تصرف لها».

ووضعت بعض الشركات شروطاً لقبول تمديد عقودها منها ما يلي:

■ صرف الأجور التي لم تصرف خلال أزمة كورونا.

■ التراجع عن توقيع غرامات من دون سند.

■ صرف أجور فروق العمالة الناتجة عن زيادة الحد الأدنى لأجر العامل.

وفي رحلة البحث عن حلول جذرية للقضية ينهي تشعباتها ويفك عقدها، رفع فريق في إحدى الوزارات جملة توصيات أكد فيها ضرورة القضاء على الدورة المستندية الطويلة وسرعة البت في ترسية المناقصات الجديدة، وتماشي تأخر اعتماد الميزانيات السنوي الذي يعطل الربط المالي للعقود.

وفي أعقاب ماراثون طويل من المباحثات والمشاورات والقرارات الجزئية لتخفيف حدة مشكلة عمالة النظافة في الوزارات، انفضت الاجتماعات، وسكنت التقارير أدراج المسؤولين، وبقيت الأزمة عالقة بين مطرقة التقشف وخفض الإنفاق وسندان ما جنته كورونا على أوضاع العمالة.

جميع الحقوق محفوظة