الأحد 12 يونيو 2022

هل يعدل خامنئي «الفتوى النووية»؟

هل يعدل خامنئي «الفتوى النووية»؟

هل يعدل خامنئي «الفتوى النووية»؟

عندما وصل الملف النووي إلى خاتمته، ظهرت إلى العلن بوادر أزمة جديدة تبعده من جديد عن سكة الحل. فما هي الأسباب وإلى متى سيبقى عالقاً؟

خرجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بقيادة مديرها العام رافاييل غروسي، عقب اجتماع مجلس محافظيها بتصريح عاود الاتهام الغربي لإيران بوجود ثلاثة مواقع وجدت فيها آثار يورانيوم، وهو الاتهام الذي كان خرج إلى العلن منذ أكثر من 10 أعوام.

 

ويعاد إخراج هذا الأرنب من القبعة، بعد أن كانت أميركا وقّعت على الاتفاق النووي عام 2015 وأغلق الملف.

وهذا ما استفز القادة الإيرانيين بشدة رغم إدراكهم أن الثقة بين مع الغرب معدومة، وأن طهران لا تنتظر إلّا «المفاجآت السلبية».

وكان غروسي زار إسرائيل والتقى رئيس الوزراء نفتالي بينيت، الذي صرّح بأن غروسي، صديقه، في رسالة عن مدى التنسيق مع تل أبيب الراضية عنه.

وبالطبع، فإن زيارة مدير الوكالة النووية التي لا تمتلك أي سلطة رقابة على مئات الصواريخ النووية الإسرائيلية السرية، يغضب طهران التي اتهمت غروسي بتلفيق الاتهامات لها، ورأت أن حياديته، لم تعد قائمة.

ولم يعد خافياً أن الملف النووي كان يسير في الخطى الأخيرة، قبل التوقف عند مسألة رفع الحرس الثوري عن لائحة عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد تمزيقه الإتفاق في محاولة للضغط على إيران، لاعتقاده أن من شأن ذلك إحضارها إلى طاولة المفاوضات بشروطه.

أما إدارة الرئيس جو بايدن، فتعتقد أن رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات لا علاقة له بإحياء الاتفاق النووي، وتالياً فإن إيران تطالب بما لا يحق لها المطالبة به.

لكن السؤال الذي يتردد صداه في دوائر مواكبة للمفاوضات، هو هل بايدن جاهز داخلياً لإعادة الحياة إلى الملف النووي؟.. من الواضح أن هذا الملف، على الرغم من أهميته، لا يشكّل أولوية قصوى للإدارة الأميركية في الوقت الراهن.

هنالك اقتناع عام بان الاتفاق النووي، رغم سيئاته لإسرائيل وأميركا ودول المنطقة، يبقى أفضل من حصول إيران على القنابل النووية.

إلا أن الإدارة الأميركية تعتقد أن العقوبات ما زالت في مكانها وأن بايدن لم يرفع أياً منها منذ تسلّمه الحكم.

وتعلم هذه الإدارة أن إيران تبيع نفطها وتغض النظر عنه لحاجة الأسواق للطاقة خصوصاً بعد العقوبات الشديدة على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.

من الواضح أن أميركا تعتمد على ما سبق وأعلنته إيران عن أنها لا تنوي الوصول إلى صناعة القنبلة النووية، استناداً إلى فتوى دينية، وتالياً فلا داعي للاستعجال بالاتفاق قبل أكتوبر المقبل، الذي يعتبر تاريخ النصفية لولاية بايدن ويحدد حجم الديموقراطيين والجمهوريين في انتخابات الكونغرس.

وتالياً فإن الرئيس الأميركي يعاني تبعات الحرب الروسية ويهتم بفصل أوروبا عن موسكو ويتهم داخلياً بالضعف في سياسته الخارجية، وان العقوبات التي فرضتها أميركا - واقتادت إليها أوروبا - ضد روسيا تسببت بردات فعل قاسية ضد الغرب في الدرجة الأولى، وأدت إلى رفع أسعار الطاقة والغذاء وكل شيء آخر في العالم.

وتعتقد أميركا أنها تستطيع إدارة أزمات عدة في آن واحد وأن الشرق الأوسط ليس على رأس اهتمامها، وتالياً فان إطالة أمد المراوحة في الملف النووي وعدم الإسراع في إنجازه، جزء من سياسة بايدن الحالية.

ويعتبر مراقبون أن مصادرة النفط الإيراني في اليونان - والذي أتى بطلب أميركي (بعد أن صادرت طهران سفينتين يونانيتين وتراجعت آثينا عن قرارها بعد ذلك) - لا يبتعد كثيراً عن الرسائل الأميركية، بدفع إيران إلى التوقيع على الاتفاق النووي، من دون رفع الحرس الثوري عن «لائحة الإرهاب»، وسط اعتقاد بأن هذا الأمر يعبر عن قلة إدراك الغرب للعقل الإيراني رغم وجود خبراء إيرانيين يحملون الجنسيتين (الإيرانية والأميركية) لدى إدارة بايدن.

فإيران أظهرت مرونة بتسلم رسائل من الرئيس الأميركي في عُمان ومن قطر وفي طهران، منذ أيام عدة، وجميعها تتحدث عن تطمينات ونيات إيجابية. إلا أن العمل الأميركي لمحاصرة إيران وقبول واشنطن بتحرشات إسرائيل من اغتيالات وعمليات تخريبية، لا يدل على فهم واشنطن لأسلوب التعاطي مع طهران.

ولا يمكن القول إن ترامب ترك إرثاً ثقيلاً خلفه لبايدن الذي يملك السلطة لإزالة العقوبات جميعها إذا قرر ذلك، وتالياً فان إيران تعتقد ان اتفاقاً نووياً لمدة سنتين فقط، إلى حين انتهاء ولاية بايدن، أفضل من لا شيء، وهذا سيعطيها الوقت للتنفس اقتصادياً أكثر مما هي عليه الحال اليوم.

لا تريد إيران التخلي عن قدراتها النووي، لأن بايدن لا يمتلك السلطة لإعطاء ضمانات بان الاتفاق سيستمر من بعده، وتالياً فانها تملك ورقة القدرة والمعرفة النووية لتعاود نشاطها إلى النقطة التي وصلت إليها، حتى ولو جمدت التخصيب لمدة سنتين...

وهكذا ردت إيران على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان، الذي حذّر الغرب، متوعداً برد، وأن التبعات ستزيد الأمور تعقيداً ويتحملها الغرب.

وقد عارضت موسكو، مسودة مشروع القرار الغربي بتوبيخ إيران لعدم احترامها القوانين النووية والاتفاق النووي، رغم أن واشنطن هي التي خرجت من الاتفاق وأن أوروبا لم تلتزم بأي بنوده خوفاً من ردات الفعل الأميركية.

لم يكن عابراً أن ترد إيران بخطوتين أوليتين، هما سحب 27 كاميرا مختصة برصد التخصيب عبر الإنترنت (وبقيت 40) تابعة للوكالة الذرية، وإدخال أجهزة طرد متطورة.

وتقول المصادر الإيرانية إن «طهران يمكن أن تبدأ بخطوات أخرى ثالثة ورابعة تتمثل بالخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تمهيداً لإجراءات أكبر مستقبلية».

ولمّحت المصادر إلى أن هناك «ضغوطاً قوية من المراجع الإيرانية في مدينة قمّ على ولي الفقيه السيد علي خامنئي لتعديل الفتوى التي تحرم امتلاك إيران القنابل النووية.

وكان من المتوقع ان يخرج السيد خامنئي منذ أيام ليشير إلى هذا الأمر، إلا أن اختيار إيران لرد الضربات تدريجياً ضد حالة الجمود التي أصابت الاتفاق النووي حال دون ذلك في الوقت الراهن من دون أن يلغيه».

لقد وصلت إيران إلى درجة امتلاك 43.5 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وهي تحتاج إلى 13 كليوغراماً من اليورانيوم بنسبة 90 في المئة لصنع القنابل النووية، وتالياً فقد أصبحت على الباب الموصد بفتوى شرعية دينية تحول دون دخول طهران إلى نادي الدول النووية (المسلحة)، وتالياً فان الخطوات اللاحقة المتوقعة ستعتمد على التدحرج لعدم إعطاء بايدن فرصة لكسب المزيد من الوقت للمماطلة حتى نهاية السنة الحالية أو حتى انتهاء ولايته.

فالخيار التصعيدي أو التبريد في الملف النووي أصبح في يد أميركا.

جميع الحقوق محفوظة